تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 154 |
((وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ ))، أي جبل الطور حيث إقتلع جزء منه ورفع فوق رؤوس بني إسرائيل تخويفاً لهم حتى يأخذوا الأحكام ويقبلوا التعاليم ((بِـ)) سبب ((مِيثَاقِهِمْ ))، أي عهدهم لعل المراد حين إرادة أخذ الميثاق منهم ((وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ ))، أي باب القرية ((سُجَّدًا ))، أي في حال السجود، إسجدوا وادخلوا الباب ((وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ ))، أي لا تعتدوا ((فِي السَّبْتِ)) باصطياد السمك فقد كان ذلك محرماً عليهم((وَأَخَذْنَا مِنْهُم ))، أي من أهل الكتاب المتقدّم ذكرهم ((مِّيثَاقًا غَلِيظًا))، أي عهداً أكيداً بأن يسمعوا الأوامر وينزجروا عن النواهي، وقد تقدّم بعض الكلام حول الأمور المذكورة في سورة البقرة. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 155 |
ثم ذكر سبحانه أن اليهود بأعمالهم القبيحة استحقّوا عقاب الدنيا وعقاب الآخرة، أما عقاب الدنيا فتحريم الطّيبات عليهم، وأما عقاب الآخرة فالنار المهيّئة لهم، فقوله سبحانه "فبِما نقضِهم .." متعلّق بقوله "حرّمنا عليهم الميتة" ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ))، أي بسبب نقض اليهود معاهدتهم مع الله بأن يعملوا بكل ما في التوراة من الأحكام فإنهم لم يعملوا بغالب أحكامها أصولاً وفروعاً ((وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ )) التي أقامها على صدق أنبيائه ككفرهم بأدلّة نبوة عيسى (عليه السلام) ((وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ )) فإنهم كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً يقتلون وفريقاً يكذبون، وكلمة "بغير حق" للتكيد لا للتأكيد إذ قتل الأنبياء لا يكون بالحق أبداً ((وَ)) بسبب ((قَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ )) جمع أغلف، أي في غلاف من دعوتك يامحمد، فلا نفهم ما تقول كالشيء المغلّف الذي لا يصل إليه شيء من الخارج، فقد كانوا يقولون ذلك للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى لا يدعوهم الى الهدى، ثم ضرب سبحانه بجملة معترضة رداً لقولهم "قلوبنا غُلف" بقوله ((بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ )) فإن الإنسان إذا رأى الحق فأنكره وتكرر منه العصيان يكون قلبه في معزل عن الحق وصار الإنكار كالمَلَكة له فإنه يعرف الحق كلما رآه لكنه ينكره لا أنه لا يرى الحق -لأن قلبه في غلاف- وعلى هذا يكون معنى "بكفرهم" لسبب كفرهم ((فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً))إذ كلما يرتدع مَن صار الإنكار مَلَكة له عن غيّه وضلاله ثم إنّ نسبة الطبع الى الله تعالى أما لأنه خلق القلب كذلك بحيث يصير الأمر المكرر مَلَكة له وأما مجاز في النسبة يُراد بذلك تركهم وشأنهم. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 156 |
((وَبِـ)) سبب ((كُفْرِهِمْ )) بعيسى (عليه السلام) أو المراد الكفر المطلق كرّر تأكيداً أو هو إرهاص لقوله "وقولهم على مريم" يريد بذلك أنهم صاروا كفروا بسبب هذه التهمة لعظمتها ((وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ )) الصديقة المعصومة أم المسيح (صلوت الله عليهما) ((بُهْتَانًا عَظِيمًا)) حيث نسبوها الى الزنا لما وُلد عيسى (عليه السلام) منها من غير أب، عن الكلبي أن عيسى (عليه السلام) مرّ برهط فقال بعضهم لبعض : قد جائكم الساحر بن الساحرة والفاعل بن الفاعلة، فقذفوه بأمه، فسمع ذلك عيسى فقال : اللهم أنت ربي خلقتني ولم أُتّهم من تلقاء نفسي اللهم إلعن من سبّني وسبّ والدتي، فاستجاب الله دعوته فمسخهم خنازير. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 157 |
((وَ)) بسبب ((قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )) وهذا القول موجب لسخط الله تعالى لأنه (عليه السلام) رسوله، وقوله ((رَسُولَ اللّهِ )) أما قول اليهود على وجه الإستهزاء، وأما قول الله تعالى فليس مقول قولهم، وأما أنه إعتراف منهم بأن الرسول كما إعترف أهل الكوفة بأن الحسين إمام وقتلوه لهوى النفس ثم ردّهم الله سبحانه بقوله ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ )) لأنهم كانوا يقولون قتلناه صلباً ((وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ )) بأن ألقى شبه عيسى على بعض اليهود فقتلوا ذلك الشبيه لعيسى (عليه السلام) لا أنهم قتلوا نفس المسيح ((وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ))، أي في المسيح (عليه السلام) هل أنه قُتل أم لم يُقتل ((لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ )) فإنهم صاروا فرقين قسم يقولون لم نقتله وإنما قتلنا شبيهاً له ولم يكن قولهم عن يقين وإنما عن شك وتردد ((مَا لَهُم بِهِ))، أي لهؤلاء القائلين بقتله ((مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ )) هذا الإستثناء منقطع فإنه كثيراً ما يُستثنى من أصل الكلام لا من قيوده فكأنه قال هنا : ما لهم من حالة نفسية حول هذا الموضوع إلا إتباع الظن، فمن يقول قتلناه يظن ذلك لا أنه يستيقن ولا يخفى أن الشك بمعناه اللغوي يلائم الظن وليس الشك بمعنى تساوي الطرفين حتى ينافر الظن الذي بمعنى ترجيح أحد الطرفين((وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا))، أي باليقين والقطع لم يقتلوا عيسى (عليه السلام). | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 158 |
((بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ ))، أي الى محل تشريفه وهو السماء فإنه قد ثبت في علم الكلام أنه سبحانه لا محل له ثم أن رفعه الى السماء يمكن أن يكون في بعض الكواكب فإنها -كما في الحديث- مدن كمدنكم ((وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا )) ذا عزّة وسُلطة يتمكن مما أراد وأمر ((حَكِيمًا)) يضع الأشياء مواضعها وتقديراته عن حكمة وبصيرة. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 159 |
((وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ))، أي ما أحد من أهل الكتاب من اليهود ((إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ))، أي بالمسيح (عليه السلام) ((قَبْلَ مَوْتِهِ ))، أي قبل موت المسيح، فقد ورد أنه (عليه السلام) ينزل من السماء ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام) فيؤمن به كل يهودي، ومن المعلوم أن المراد بكل يهودي مَن كان في ذلك الوقت لا كل يهود العالم الذين ماتوا من قبل، وهذه العبارة عُرفية فيُقال : يعرف أهل البلد الفلاني جميعهم حتى إذا خرجت منها، يريد بذلك مَن كان منهم فيها لا كل من مات أو خرج قبل رحلته ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ )) المسيح (عليه السلام) ((عَلَيْهِمْ ))، أي على اليهود ((شَهِيدًا)) بأنه قد بلّغ رسالات ربه وأنهم آذوه وطردوه ولم يقبلوا منه وهناك إحتمال أن يعود ضمير "به" الى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي هو محل البحث عن الكفار، وضمير "موته" الى الكتابي، أي كل كتابي يؤمن بالرسول قبل أن يموت حين الإحتضار حيث ينكشف له الواقع. |
momenatteaالسبت 27 يوليو 2013, 5:04 pm