تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 1 |
((ص)) فيه أقوال منها أنه رمز بين الله والرسول، ومنها أن المراد أن القرآن الذي لا تتمكنون - أيها الكفار - من الإتيان بأقصر سورة منه، من جنس حروف الهجاء لـ"ص" وغيره، ومنها أنه اسمه لعين تنبع من تحت العرش، كما ورد عن الصادق (عليه السلام)، ومنها أنه اسم من أسماء الله تعالى، إشارة إلى اسم لكونه إشارة إلى "الصابر" أو "الصادق" إلى غيرها من الأقوال، وفي إعرابه أيضاً خلاف تبع الخلاف الأول، ((وَالْقُرْآنِ))، أي قسماً بهذا القرآن الذي هو ((ذِي الذِّكْرِ))، أي صاحب الشرف، كما يقال: "لفلان ذكر،" أي شرف بسببه يذكر في المجامع، أو المراد أنه صاحب التذكير بالله واليوم الآخر، ولا ينافي أن يكون هو ذكر - باعتبار بعض آياته - وأن يكون صاحب الذكر باعتبار مجموعة وجواب القسم محذوف، أي أنه لحق، دل عليه قوله: (بل الذين). | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 2 |
فليس في القرآن نقص يوجب عدم إيمانهم، فإنه حق ظاهر لا مرية فيه، ((بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا)) بالله واليوم الآخر ((فِي عِزَّةٍ))، أي تكبر عن قبول الحق، فإن الإنسان العزيز يعرض عن الرضوخ لغيره سواء كانت العزة واقعية أو عزة مزعومة، ((وَشِقَاقٍ))، أي مخالفة للرسول، والعدو مهما يرى الحق في جانب خصمه لا يرضخ له، ولا يقبل منه، مشتق من "شق"، وكأنه في شق وطرف، والخصم في شق آخر. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 3 |
ولكن هل يبقون هؤلاء كذلك معرضين عن الحق أعداءً للرسول؟، كلا، فليعتبروا بالأمم المكذبة الذين سبقتهم، فـ((كَمْ أَهْلَكْنَا))، "كم" للخبر، يراد به التكثير، ((مِن قَبْلِهِم))، أي قبل هؤلاء الكفار ((مِّن قَرْنٍ))، أي من أمة، وتسمى الأمة قرناً باعتبار تقارن أعمار أفرادها،((فَنَادَوْا)) عند إتيانهم العذاب بالاستغاثة والضراعة، لكن لم يفيدهم النداء في نجاتهم من العذاب، ((وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ))، أصل "لات" "لا"، زيدت عليه التاء، بمعنى "ليس"، و"مناص" من "النوص" وهو التأخر، يقال: "ناص يونص" إذا تأخر، وقد حذف خبر "لات"، أي ليس الوقت الذي استغاثوا فيه وقت التأخر للعذاب والنجاة لهم، فقد كانوا في مهلة ما دام أجلهم باق، أما إذا حقت عليه كلمة العذاب فلا تفيدهم الضراعة والاستغاثة. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 4 |
((وَعَجِبُوا))، أي الكفار ((أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ))، أي رسول من قبل الله سبحانه لإنذارهم وتخويفهم عن بأس الله، بأنهم إن تمادوا على الكفر والعصيان أخذهم العذاب وأُرْجِعوا إلى النار، ((مِّنْهُمْ))، أي من جنسهم، فقد كانوا يقولون: لولا يكون الرسول علينا ملائكة، ((وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا)) الرسول ((سَاحِرٌ كَذَّابٌ))، فإنه يسحرنا حين لا نتمكن من الإتيان بمثل القرآن وحين يأتي بخوارق، وهو يكذب على الله بأنه رسوله وأن الله إله واحد لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 5 |
ثم جعلوا يستفهمون مستنكرين بقولهم ((أَجَعَلَ)) هذا الرسول ((الْآلِهَةَ)) المتعددة التي نقول بها ((إِلَهًا وَاحِدًا))؟ أي كيف يقول: أن لا إله إلا إله، واحد، والحال أن لنا آلهة متعددة؟ ((إِنَّ هَذَا)) الذي يقوله محمد من وحدة الإله ((لَشَيْءٌ عُجَابٌ))، أي لأمر عجيب مفرط في العجب. قال بعض أن كل قبيلة كانت لها آلهة متعددة تبعاً لتنازع كان يقع بينهم، وقد كانوا يقولون أن هذه الكثرة من الآلهة لا تكفينا، فيجب صنع الآلهة جديدة، فلما قال لهم الرسل أن الإله واحد، قالوا: إنا لم نكتف بهذا العدد العديد من الآلهة فهو يدعونا إلى إله واحد؟ وهناك ظريفة تحكى هي أن الكفار اجتمعوا، وقالوا أن في القرآن كلمات غير فصيحة، وظنوها مأخذاً على الرسول، وجمعوا تلك الكلمات في ثلاث هي: "كبار" و"يستهزئ" و "عجاب"، وأتوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ناقدين للقرآن، فقال الرسول: "ائتوني بأفصحكم،" فذهبوا، وجاؤوا بشيخ كبير قالوا أنه أفصحهم، ولما حضر بين يدي الرسول أراد الجلوس، فقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ في القيام، فجلس الرسول، فأخذ الشيخ في الجلوس، فقام الرسول، فاستشاط الشيخ غضباً من هذا التمسخرية، وقال: "يا محمد أتستهزئ بي وأنا شيخ كبار؟ هذا أمر عجاب." وهناك نظر بعض القوم إلى بعض، وقد أبطل الشيخ دعواهم في جملة واحدة وانصرفوا خائبين. ونقل أن المشركين اجتمعوا حول الرسول ليفاوضوه في ترك الدعوة، فقال لهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): +"أتعطون كلمة واحدة تملكون بها العرب والعجم؟" فقال أبو جهل: "لله أبوك، نعطيك ذلك عشر أمثالها." فقال: "قولوا لا إله إلا الله،" فقاموا وقالوا: "أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟" فنزلت هذه الآيات. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 6 |
((وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ))، المراد بالانطلاق انطلاق الألسنة بالكلام، فقد قال الأشراف - وهو الملأ - بعضهم لبعض ولأتباعهم ((أَنِ امْشُوا))، أي سيروا في طريقكم التقليدي الذي يقول بتعدد الآلهة، ولا تعيروا كلام محمد بالآ<له>، ((وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ)) المتعددة، وتحملوه <وتحملوا؟؟> المشاق في سبيلها لئلا يغلبكم محمد، ((إِنَّ هَذَا)) البقاء على ديننا والصبر على المشاق في سبيل الآلهة ((لَشَيْءٌ يُرَادُ)) منا، فنحن مطلوبون عند العرف الاجتماعي بالحماية عن الشرك. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 7 |
((مَا سَمِعْنَا بِهَذَا)) الذي يقوله الرسول من وحدة الإله وعدم الشرك ((فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ))، أي ملة أهل الكتاب التي هي خير الملل بعد الوثنية وما أشبههما، وكانوا أرادوا بذلك التمويه على العوام بأن أهل الكتاب أيضاً لا يقولون بوحدة الإله، فكيف يدعي محمد أنه مثل موسى وعيسى (عليهم السلام) يدعي ما لا يقولا به؟ ((إِنْ هَذَا)) الذي يقوله الرسول من التوحيد ((إِلَّا اخْتِلَاقٌ))، أي كذب، فقد خلقه وصنعه محمد، ولا نصيب له من الواقع، وقد رأى الكفار أهل الكتاب الذين انحرفوا عن منهاج التوحيد فجعلوهم حجة في مقابل الرسول، وإلا فالأنبياء جميعاً لم يقولوا إلا بالتوحيد، وهكذا أكد التوراة والإنجيل على ذلك. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 8 |
ثم جعلوا يستغربون عن أن الرسول يكون موحى إليه من بينهم ظانين أنهم مثل الرسول في المؤهلات - إن لم يكونوا أفضل منه، فاللازم أن يوحى إليهم دونه أو إليهم وإليه على حد سواء، ((أَأُنزِلَ عَلَيْهِ))، أي على الرسول ((الذِّكْرُ))، أي القرآن ((مِن بَيْنِنَا))؟ كيف ذلك يكون وفينا من هو أكبر منه سناً ومالاً وجاهاً وأولاداً؟ لكنهم غفلوا، من أن مؤهلات الرسالة غير مؤهلات العرف والعادة، والرسول منفرد فيها، فليس قولهم هذا لنقص رواه في الرسالة والرسول،((بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي)) الذي أنزلته على الرسول، ولم يكن الشك بحق، فإنهم لو تفكروا علموا بصدق الرسول، وإنما شك المقلد الجاهل الذي يرى الحق في طرف والتقليد في طرف آخر، ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ))، إلى <أي؟؟> عذابي، حذف ياء المتكلم تخفيفاً، وهذا تهديد لهم، بمعنى أنهم إنما يقولون ما يقولون لا لعدم صحة الرسالة والدعوة، بل لأنهم منحرفون محتاجون إلى التأديب، وسيذوقون العذاب. |
مصطفي صلاحالسبت 03 أغسطس 2013, 5:09 pm