تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 120 |
وكيف تتخذونهم بطانة والحال أن صفتهم هكذا ((إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ))، أي يصبكم خير، من المس بمعنى الإصابة ((تَسُؤْهُمْ))، أي تحزنهم((وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ))، أي بليّة ومصيبة بإصابة العدو منكم أو فقر أو موت أو نحوها ((يَفْرَحُواْ بِهَا))، أي بسببها -كما هو حال العدو مع عدوه- ((وَإِن تَصْبِرُواْ)) على أذيتهم، وعلى مقاطعتهم إياهم الذي يجرّ إليكم عدائهم الظاهري، فإن كثيراً من الناس يخافون من مقاطعة المنافقين ائلا يبتلوا بعدائهم في الظاهر ((وَتَتَّقُواْ)) الله سبحانه حتى يكون هو نصيركم ((لاَ يَضُرُّكُمْ)) أيها المؤمنون ((كَيْدُهُمْ)) ومكرهم وحيلتهم ضدكم ((شَيْئًا)) لأنه سبحانه ينصركم ((إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ)) هم جميعاً المؤمنون والمنافقون ((مُحِيطٌ))، أي عالم بجميع أعمالهم، كالمحيط من الأجسام الذي لا يخلو منه طرف من المحاط، فيجازيهم أعمالهم. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 121 |
وهنا يستعرض القرآن الحكيم قصة تدل على مدى تطبيق أحوال المنافقين التي سبقت على الواقع الخارجي، وإن الله كيف ينصر المسلمين في أحوج الساعات وأحلك الظروف، وذلك في غزوة أُحد حين خرجت قريش من مكة يريدون حرب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالنتخب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) موضعاً للقتال وعباد أصحابه الذين بلغوا سبعمائة رجل فجعل عبد الله بن جبير في خمسين من الرمات على باب شعب في الجبل ليحفظوا حتى لا يهاجم العدو من خلف المسلمين فقال لهم لا تبرحوا من هذا المكان والزموا مراكزكم إن غَلبنا أو غُلبنا فلما انهزمت قريش وأخذ المسلمون ينهبون ثقلهم قال أصحاب إبن جبير له : قد غَنِم أصحابنا ونحن نبقى بغير غنيمة، فقال لهم : إتقوا الله فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهانا أن نبرح أماكننا، فلم يقبلوا منه وأخذوا ينسل الرجل منهم فالرجل حتى خلت المراكز وبقي عبد الله في إثنى عشر رجلاً وغَنِم الكفار هذا الأمر فجاء خالد بن الوليد مع أصحابه وفرّقوا مَن بقي من المسلمين وقتلوهم على الشِعب وهجموا على المسلمين من خلفهم وهم مشتغلون بالنهب ورجع الكفار فطوّقوا المسلمين من جوانبهم ففرّ المسلمون ولم يبق مع الرسول إلا علي (عليه السلام) وأبو دجانة وقُتل من المسلمين جمع كثير بلغوا السبعين وفيهم حمزة عم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسد الله وأسد رسوله ((وَإِذْ غَدَوْتَ))، أي خرجتَ ((مِنْ أَهْلِكَ))، أي من المدينة غدوة، يارسول الله ((تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ))، أي تهيّء لهم مراكز ((لِلْقِتَالِ)) في قصة أُحُد ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأقوالك ((عَلِيمٌ)) بما تنويه من حب الخير والهداية للناس عامة. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 122 |
((إِذْ هَمَّت)) وعزمت ((طَّآئِفَتَانِ))، أي جماعتان ((مِنكُمْ)) أيها المسلمون، وهما بنو سلمة وبنو حارثة ((أَن تَفْشَلاَ)) وتجبنا وترجعا عن القتال وذلك لأن إبن أبي سلول المنافق جبّنهما عن لقاء العدو فهمّا بالرجوع لكنهما لم يفعلا ((وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا)) ناصرهما فله الفشل والخوف ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) والتوكل معناه تفويض الأمر إليه سبحانه (ومن يتوكّل على الله فهو حسبه). | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 123 |
((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ)) أيها المسلمون ((بِبَدْرٍ)) في وقعة بدر وهو إسم بئر كانت هناك فسميت الغزوة بإسمها ((وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)) جمع ذليل لأن عَددهم وعُددهم كانت قليلة لا تقوى على المقاومة ((فَاتَّقُواْ اللّهَ)) ولا تتوانوا عن الجهاد بعدما رأيتم نصرة الله في بدر وهذا لأجل تقوية قلوبهم في أُحُد وتصديق لقوله (والله وليّهما) ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))، أي نصركم لتقوموا بشكر نعمه عليكم. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 124 |
((إِذْ تَقُولُ)) يارسول الله ((لِلْمُؤْمِنِينَ)) في غزوة بدر ((أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ)) وذلك لتقوية قلوب المؤمنين وبيان أن الله أرسل ملائكة لتقويتهم وتعزيز مركزهم، وهذا تذكير للمسلمين في أُحُد بسابق نصر الله لهم ((مُنزَلِينَ)) أنزلهم الله سبحانه لنصرة المسلمين ولقد حاربوا الكفار وقتلوا منهم. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 125 |
((بَلَى)) ليس الإمداد في يوم بدر بثلاثة آلاف فقط، بل قال لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر -تقوية لقلوبهم- ((إِن تَصْبِرُواْ))على الجهاد ((وَتَتَّقُواْ)) المعاصي ((وَيَأْتُوكُم)) الكفار ((مِّن فَوْرِهِمْ))، أي فورانهم مندفعين عاجلاً نحوكم ((هَذَا)) الذي شاهدتموه إذ أتوكم كالسيل، فإن المسلمين خانوهم عند مجيئهم لما رأوا من كثرتهم ((يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم)) والإمداد إرسال المدد ((بِخَمْسَةِ آلافٍ)) أُخر -غير ثلاثة آلاف- ((مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ)) من سوّم الخيل إذا علّمته بعلامة، أو علّموا أنفسهم بعلامة حيث كانت عليهم عمائم بيض وأرسلوا أذنابها بين أكتافهم، وهناك قول آخر هو أن قوله تعالى "بلى" لموضوع أُحُد، فإن الكفار همّوا بالرجوع مرة ثانية بعد أن نالوا من المسلمين ما نالوا وخالف المسلمون فوعدهم الله تعالى أنهم رجعوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة، لكن السياق يؤيد المعنى الأول، والله أعلم. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 126 |
ثم بيّن سبحانه أن إنزال الملائكة والوعد به ليس لأجل أنهم السبب في نصر المسلمين، بل لأجل البشارة وأما النصر فإنه من قبل الله وحده ولو بدون الملائكة حتى يتقوى قلوب المسلمين في الجهاد ((وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ))، أي ما جعل إنزال الملائكة والوعد به ((إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ))، أي بشارة لكم أيها المسلمون ((وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ))، أي بهذا الإنزال والوعد ((وَمَا النَّصْرُ))، أي ليس العون ((إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ)) في سلطانه((الْحَكِيمِ)) في أموره. | ||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 127 |
أما حكمة نصر المسلمين على أعدائهم في هذه الغزوة وسائر الحروب ((لِيَقْطَعَ))، أي يفصل ((طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) الطرف من الأنفس بالقتل، ومن الأراضي بالفتح، ومن الأموال بالغنيمة ((أَوْ يَكْبِتَهُمْ))، أي يُخزيهم حتى يُرغموا وتقل شوكتهم ((فَيَنقَلِبُواْ)) الى أهليهم ((خَآئِبِينَ))لم ينالوا بغنيمتهم بل إنعكس الأمر فكُبتوا ورُغموا. |
momenatteaالسبت 27 يوليو 2013, 4:34 pm