تحليل العمال
يتطلب التوافق المهني بين العامل والعمل مراعاة مقتضيات هذا العمل كالناحية الجسمية والصحية , والاستعدادات والميول ونوع التعلم , والمهارات والصفات المزاجية , والخلق وما ذلك من الصفات الهامة , وتحصل هذه المعلومات بوساطة تحليل العمال , وهو عبارة عن دراسة العمل بقصد الكشف عن واجباته وظروف القيام به , والمؤهلات التي يجب أن تتوافر في العامل حتى يؤدى عمله بطريقة إيجابية فعالة وأن يتكيف معه .
وفي الواقع أن تحليل العمل هو الأساس الذي يقوم عليه المواءمة المهنية والهندسة البشرية . ولذلك يجب أن تكون دراسة العمل وتحليله مرحلة سابقة لدراسة الفرد وتحليله . ومتى تم تحليل العمل وتحديد القدرات والسمات التي يقتضيها النجاح فيه , أمكننا أن نصوغ الاختبارات لقياس هذه الصفات بما يمين علي مواءمته لعمله , أيا كان مجال هذه المواءمة , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فتحليل العمل هو الأساس الذي يقوم علية تكييف العمل للعمال أي تكييف الآلات والأدوات والعدد حتى يسهل علينا استخدامها دون بذل جهود زائد أو التعرض لتعب لا داعي له . هذا إلى أن تحليل العمل الصناعي يمين على معرفة الحركات الضرورية لأدائه وتميزها عن الحركات الدخيلة والطيفية التي تعطل العامل وتستنفذ جزاءاً من طاقته . ولا تتوقف أغراض تحليل العمل عند هذا الحد , فمن طريقه يمكن تقيم الأعمال في أي تحديد الأجور التي تستحقها علي أساس ما تتطلبه هذه الأعمال من خبرة ومهارة ومجهود .
ما المقصود (( تحليل العمل )) ؟
إن تحليل العمل Job analysis هو دراسة علمية منظمة شاملة تحديد طبيعة العمل وتستوعب جميع المعلومات التي تتعلق به , وتشمل هذه الدراسة جميع نواحيه الفنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية .
فمن الناحية الفنية يتلخص تحليل العمل – إن كان صناعياً – في الكشف عما يتطلبه من عمليات وحركات , وأهمية كل منها , وتحليل كل حركة من حيث سعيها واتجاهها وشكلها , والزمن الذي تستغرقه كل حركة , وكذلك في الكشف عما يتطلبه العمل من معلومات ومهارات خاصة , وما يقتضيه من تدريب ونوع هذا التدريب ومكانه . كما يتضمن أيضا دراسة الآلات والأدوات والعدد والمواد الخام التي تستخدم فيه .
ومن الناحية الصحية يتخلص تحليل العمل في دراسة الظروف الفيزيقية التي يجرى فيها العمل : الإضاءة والتهوية ودرجة الحرارة والرطوبة . وكذلك الحوادث والأخطار والأمراض المهنية التي يتعرض لها العامل فيه , ونظم الأمن الصناعي .
ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية يحدد المركز الاجتماعي للعمل , ومجالاته في السوق , ومستقبله الاقتصادي , ودرجة البطالة فيه , ومستوى الأجور , والمرتبات وفرص الترقية والعلاوات فيه .
أما من الناحية السيكولوجية , فيتلخص تحليل العمل في الكشف عن القدرات والمهارات والسمات الضرورية لأدائه , وتلك اللازمة للتفوق فيه .
ويطلق علي المعلومات التي تخرج بها من الخطوات الثلاث الأولى اسم (( وصف العمل)) Job description , وعلي المؤهلات السيكولوجية للعامل اسم ((خصائص العمال)) Personnel specifications .
أهداف تحليل العمل وفوائده :
إن تحليل الأعمال المهنية ينطوي علي أكثر من فائدة ويرمى إلى أكثر من هدف :
1- التوجيه والاختيار والتعيين
إن تحديد القدرات والسمات والواجبات التي تتطلبها الأعمال المختلفة هو الطريق الوحيد للبحث عنها في الفرد الذي نريد توجيهه أو تأهيله أو اختياره أو تعيينه أو تدريبه لعمل معين . فعن طريقه نستطيع صوغ الاختبارات اللازمة لقياس هذه القدرات والسمات , وعن طريقه نستطيع تكييف الأسئلة التي نوجهها إلى العمال أثناء إجراء (( المقابلة )) الشخصية , أو عند صوغ الأسئلة التي يتضمنها طلب الاستخدام .
2- تصميم برنامج التدريب :
يستهدف كل برنامج للتدريب هدفين : ما سيتدرب عليه العامل , وكيف يتم تدريبه . وتحليل العمل يبين لنا نوع المهارات والمعلومات الخاصة التي يجب تنميتها عن طريق التدريب , كما يعين علي تصميم (( وحدات التدريب )) وترتيبها علي حسب صعوبتها , والكشف عما بينها من علاقات , واتباع أفضل الطرق للتدريب .
3- النقل والترقية :
يبين تحليل العمل إلى أي حد يمكن انتقال أثر التدريب , وهذا يساعد علي نقل العامل إلي عمل آخر في نفس مستواه أو ترقيته إلي عمل ذي مستوي أعلى , من دون تدريب أو بأقل قدر من التدريب .
4- تحسين طرق العمل :
من تحليل العمل نستطيع أن نتبين الحركات الزائدة والطائشة أو الدخيلة التي تعطل العامل عن عمله , أو تقتضيه بذل مجهودا أكبر , أو تسبب له التعب أو تورطه في الحوادث من غير داع . كما يفيد في تصميم الأدوات والعدد حتى تكون ملائمة له . وبعبارة أخر يفيد تحليل العمل في الكشف عن أكثر طريق العمل اقتصاداً في الجهد والوقت .
5- تحديد مستويات الأجور
تختلف الأعمال بعضها عن بعض من حيث صعوبتها وأهميتها ,وما تتطلبه من خبرة أو تدريب , وما تحتاج إليه من واجبات ومسئوليات وقدرات علي التصميم والتخطيط والتنسيق والتنفيذ , ومن حيث ما يحفها من مخاطر ومتاعب . فهناك أعمال هيئة وأخرى شاقة , وهناك أعمال شيقة وأخرى مملة , وهناك أعمال ماهرة وأخرى غير ماهرة , أعمال يمكن تعلمها في بضع دقائق وأخرى تتطلب أعواما من التدريب .. وهنا يفيد تحليل الأعمال في التوزيع العادل للأجور , كل عمل على حسب خصائصه ومستواه .
6- تحديد الاختصاصات والمسئوليات :
قد يكون أثر تحليل العمل كبيراً في خفض ضروب الصراع والشد والجذب بين العمال بعضهم وبعض , والموظفين بعضهم وبعض في المؤسسة أو المصنع بوجه عام , ويحدد تحليل العمل لكل فرد اختصاصه وواجباته وحدود سلطته , فيكون ذا أثر بالغ في تنظيم العلاقات الإنسانية بالمصنع أو المؤسسة .
7- تصنيف الأعمال
كذلك يفيدنا تحليل الأعمال في تصنيف الأعمال إلي (فصائل مهنية ) علي حسب ما تتطلبه من قدرات وسمات وواجبات متشابهة , أو علي أساس تشابهها في عملياتها وحركتها الأساسية .
طرق تحليل العمل
هناك عدة طرق يستطيع إحصائي التحليل أن يسلكها لتحليل العمل , وهي طرق متكاملة , أي يكمل بعضها بعضا , وحبذا لو تسنى له أن يستخدمها جميعاً . من هذه الطريق
1- ملاحظة العمال
يكون ذلك بتسجيل أوجه نشاطهم الحركي والاجتماعي , والعقلي إن أمكن . فإن كان المحلل في مصنع تسني له إن يلاحظ المهرة وغير المهرة من العمال وأن يقارن بينهم في الأداء , وقد تكون الملاحظة مباشرة أو غير مباشرة . وعلي المحلل أن يمضي أطول وقت ممكن في عنابر العمال ليعيش في هذا الجو كي يستطيع أن يعرف بعض متطلباته المزاجية ثم يسجل نتائجه في استمارة خاصة.
2- مقابلة العمال
من المكن استخدام (( المقابلة )) مع العمال ومناقشتهم لمعرفة ما يتطلبه العمل من قدرات ومهارات وما يكتنفه من صعوبات . ويتوقف نجاح المحلل علي تعاون العمال معه وعلي مبلغ ما يقوم بينهما من ثقة متبادلة ووثام .
3- استخدام العمال والرؤساء
وتستخدم الاستفتاءات أيضاً لجمع أكبر قدر من المعلومات عن العمل ومتطلباته . غير أن الاستفتاء تعترضه نفس الصعوبة التي تعترض المقابلة , إن لم تكون أكثر منها . إذا يستطيع المحلل في المقابلة أن يعيد أسئلته أو أن يوضع الغامض منها , أما في الاستفتاء فلا يجد العامل من يقوم بذلك .
4- ممارسة العمل يجب أن تتسنى للمحلل الفرصة لأن يقوم نفسه بأداء العمل المراد تحليله , حتى يستطيع أن يظفر بتفاصيل ومعلومات عنه لا يمكنه أن يصل إليها عن طريق الملاحظة وحدها أو عن طريق الملاحظة والمقابلة معا .
الطرق السيكولوجية في تحليل العمل :
إن مساهمة علم النفس الرئيسية في تحليل العمل في الطرق الفنية التي تحدد بها الصفات التي يتطلبها العمل وفي وصف هذه الصفات في عبارات محددة موضوعية كمية . ولقد كانت الطرق التقليدية في ذكر خصائص العمل النوعية مقصورة إلى حد كبير علي ذكر الواجبات , والوسائل والطرق , وشروط العمل , مضافاً إليها بعض المؤهلات الخاصة مثل السن والجنس والصحة والتعليم وربما بعض المهارات الخاصة . في حين يحتاج التوجيه المهني والاختيار المهني إلى وصف الأشياء والنجاح والعمل .
ومن الوسائل السيكولوجية التي تستعمل تحليل وتسجيل هذه المستلزمات الخاصة للنجاح المهني ( طريقة فيتلس في المبيان النفسي للعمل ) . وهذه العملية تشتمل علي 32 قدرة , وكل منها معرفة بدقة لتبين مجال وظيفتها في النشاط المهني .
وتمتاز طريقة المبيان النفسي بأن لها سلماً خماسي التدريج لتقدير أهمية كل للعمل , ووحدات هذا السلم هي :
1- يمكن إهماله 2- قليل الأهمية 3- ذو دلالة
4- كبير الأهمية 5- ذو أهمية قصوى .
وتسجيل التقديرات بيانيا علي استمارة خاصة , كجزء من تعين العمل كي تتيح مبيانا نفسيا يظهر من أول وهلة القدرة الضرورية للنجاح والعلاقات العامة بين إحداهما والأخرى وبينها وبين القدرات الأقل أهمية . وهكذا يتضح من هذا المبيان النفسي القدرات الخاصة الأساسية التي يجب أن تنال عناية خاصة وأن تقاس قياسا موضوعيا في التوجيه والاختيار المهني.
ويتطلب إعداد المبيان النفسي دراية واسعة للعمل بواسطة ملاحظين مدربين , بالإضافة إلي أحكام العمال , والمشرفين وغيرهم من الأفراد المتصلين اتصالا وثيقاَ بالعمل .
وأهم ميزة لطريقة المبيان النفسي للعمل أنها تيسر عملية تجميع الأعمال ذات الأنماط المتشابهة من القدرات في عائلات من المهن متماثلة في الصفات العقلية التي تتطلبها وإن كانت مختلفة من حيث الأعمال النوعية الخاصة اللازمة لأدائها , وحتى من حيث الموارد المستخدمة .
وتتضمن طرق المبينات النفسي للعمل في بادئ الأمر تحليلا ذاتيا وتقديراً للمستلزمات التي يتطلبها العمل . وتستعمل مثل هذه الطرق علي نطاق واسع لأن تحديد صفات العامل وأوجه الشبه بين الأعمال بطريقة أكثر موضوعية بطئ وباهظ التكاليف . وهناك طريقة أكثر موضوعية من غيرها , تتلخص في وصف مؤهلات العمل بواسطة الاختيارات النفسية للتنبؤ عن الكفاية المهنية .
والخلاصة أنه متى اتضحت معالم العمل وتقاسيمه بعد تحليله واستشف السيكولوجي القدرات والسمات التي يرى أنها لازمة لأدائه , أخذ في البحث عن اختيارات تقيس هذه القدرات والسمات , فإن لم تكن هناك اختيارات متداولة شرع يصمم اختيارات جديدة