عندما تنجب المرأة لأول مرة من المفروض أن تكون تلك أسعد لحظات حياتها، بالنسبة للعالم الخارجى أنت المرأة التى ملكت الدنيا وما فيها ملكت طفلا جميلا وصحيحا. أما بالنسبة لشعورك الداخلى، لماذا يصبح قدوم طفلك سببا للحزن والقلق وربما الشعور بالذنب؟
تارة تشعرين أن شخصا يضغط زرا فى رأسك يشعرك بالذعر وتارة أخرى يتملكك خدر وتفقدين الإحساس وتصبحين غير مبالية. ومع إحساسك بالعرفان للنعمة التى منحك إياها الخالق سبحانه وتعالى، فإن حب طفلك يكرس لديك شعورا بالفشل والاخفاق.
يمكن أن نرجع ذلك الاحساس إلى الأعراض الجانبية لعملية الولادة نفسها، إذ أن الإحساس بالكآبة عقب عملية الولادة يحدث لحوالى 80% من الأمهات اللاتى ينجبن لأول مرة.
إن أعراض إكتئاب ما بعد الولادة تختلف من امرأة إلى أخرى، فقد تشعرين بنوباته فجأة أو تتدرج الأعراض وتزداد حدتها، وهناك علامات خطيرة لا يجب تجاهلها، فإذا كانت حالتك النفسية حزينة وروحك المعنوية منخفضة، وفقدت كل اهتمام بالأشياء التى كنت تحبينها، تلك كلها مؤشرات خطيرة على إصابتك بإكتئاب ما بعد الولادة.
وأبرز أعراضه الشعور بالتعب وعدم القدرة على التكيف والقيام بالمسئولية مما يدفعك للشعور بالذنب وتصبحين كثيرة البكاء وتفقدين شهيتك مع وجود صعوبة فى النوم، تجدين صعوبات فى التركيز وألما وصداعا غير مبرر، وتتولد لديك مشاعر عداء تجاه زوجك وطفلك.
والسؤال هنا لماذا؟ والجواب أنه نوع من الاكتئاب يرجع إلى مجموعة من المؤثرات بعضها هرمونى وإجتماعى وصولا إلى النفسى.
وتؤكد الأبحاث أن افتقاد الدعم هو السبب الرئيسى وراء إكتئاب ما بعد الولادة. وقد زادت حدة المشكلة فى السنوات الاخيرة لأنه فى حالة الولادة لأول مرة عادة ما تغادر الأم المستشفى سريعا بعد الولادة بساعات، وكان الأمر مختلفا فى عهد أمهاتنا حيث كن يمكثن فى المستشفى لمدة طويلة قد تصل إلى عشرة أيام.
تعود الأم الأن لبيتها بصحبة طفلها بعد ساعات من الولادة وعليها أن تتفهم هذا الكائن الصغير عديم الحيلة وتلبى احتياجاته من تلقاء نفسها، وفى أغلب الأحيان بعيدا عن أسرتها، ويتوقع الجميع منها أن تكون المرأة الخارقة: أن تعود لعملها بعد إجازة وضع قصيرة، تخوض تجربة رعاية طفل وإرضاعه والإهتمام به على الوجه الأكمل بالإضافة إلى أعباء المنزل التى لا تنتهى.
أما أولى خطوات العلاج الاعتراف بأن هناك مشكلة رغم أنها خطوة شاقة على النفس، إلا أن الفضفضة مع صديقة أو فرد من الأسرة يتفهم مشاعرك كثيرا.
ونؤكد هنا على ضرورة دعم ومساندة من حولك وتخطى الأزمة، فهو مرض مثله مثل غيره من الأمراض كلما أسرعت فى الاعتراف به وطلب المساعدة من متخصص كلما أمكن علاجك.
ويؤكد المتخصصون أن أفضل علاج هو مزيج من الدعم والاستشارة الطبية إذا لزم الأمر، فى حالة نوبات القلق الحادة لابد من تناول بعض الأدوية المضادة للاكتئاب التى تساعد فى تهدئة الأم للدرجة التى تتقبل فيها النصح والحوار.
إن إيجاد الوقت الازم للأكل والنوم أمرا شبه مستحيل بقدوم طفل حديث الولادة، والتعب والجوع يزيد الامر سوءا ويكرس أعراض الاكتئاب بشكل أكبر.
هنا تستطيع الأم أن تسرق دقائق من الراحة كلما غفا طفلها، ويجب أن تحصل على الطعام الصحى المناسب لإعطائها الطاقة اللازمة للقيام بالجهد المضنى فى رعاية الطفل وإرضاعه والسهر عليه.
وهنا يأتى دور الأب، إذ يجب أن يساعد فى إعداد وجبات صحية يخزنها فى الثلاجة ليزيح عن كاهل زوجته بعضا من قلقها. وعندما تحصل الأم على التغذية السليمة تتحسن طاقتها وتصبح مشاعرها ايجابية.
وعن إحتمال عودة الإصابة بالمرض مع كل حمل وولادة، تقول الدراسات أن هناك احتمال 60% لتكرار الإصابة، ولكن وعى الأم بالأعراض والمخاطر هو أفضل وسيلة تساعدها على سرعة الشفاء.