العيد
ذكر وشكر ...
وصدقة وبِرّ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على سدينا محمد سيد العالمين، وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين ... وبعد،
فإن العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما إذا فازوا بإكمال طاعة الله، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته قال تعالى {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} (سورة يونس ءاية 58)
عن أنس بن مالك قال: "كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلمّا قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرًأ منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى".
أبدل الله هذه الأمة يومي اللعب واللهو بيومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد، عيد يتكرر كل أسبوع، وعيدان يأتيان في كل عام مرة مرة، من غير تكرار في السنة.
فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مرتب على إكمال الصلوات المكتوبات، فإن الله تبارك وتعالى فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا، واستكمل المسلمون صلواتهم فيه، شرع لهم في يوم استكمالهم وهو يوم الجمعة الاجتماع لذكر الله وشكره.
وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق، وفيه خُلق ءادم عليه السلام، وأُدخل الجنة، وأخرج منها، وفيه ينتهي أمد الدنيا فتزول، وتقوم الساعة.
فالجمعة من الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة، وجعل ذلك لهم عيدًا، ولهذا نهى عن إفراده بالصيام.
قال سعيد بن المسيّب: شهود الجمعة أحبّ إليّ من حجة نافلة.
وقد رُوي إذا سلمت الجمعة سلِمت الأيام،.
وعيد الفطر هو بعد صوم رمضان، شرعه الله عقب إكمال المسلمين لصومهم يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة بإذن الله تعالى.
وليس العيد لمن لبس الجديد ... إنما العيد لمن طاعاته تزيد
وليس العيد لمن تجمّل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غُفرت له الذنوب.
وفي ليلة العيد تُفرّق خُلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد ...
وكان بعض العارفين ينوح على نفسه ليلة العيد بهذه الأبيات:
سرور العيد قد عمّ النواحي ... وحزني في ازدياد لا يبيدُ
فإن كنتُ اقترفتُ خِلال سوءٍ ... فعذري في الهوى أن لا أعود
وأنشد العارف بالله الشبلي رحمه الله:
ليس عيد المحب قصد المصلى وانتظار الحبيب والسلطان، إنما العيد أن تكون لدى الحِبّ كريمًا مُقرّبًا في أمان.
وأما في الجنة، فعيد المؤمنين بعد دخولهم الجنة إكرام الله لهم برؤيته جلّ وعلا، يرونه بأمّ أعينهم من غير كيفية ومن غير أن يكون في جهة ولا مكان، فهذه هي الزيادة التي وعدهم بها في قوله تعالى {للذي أحسنوا الحسنى وزيادة} (سورة يونس ءاية 26) فما أعطاهم ربهم شيئًا إليهم من ذلك ,,, اللهم اجعلنا منهم.
والعيد مفرد الأعياد، وفي اللغة عيّد تعييدًا أي شهد العيد.
وفي معجم ألفاظ القرءان الكريم: العيد: الموسم من العود وكل ما يعاود الإنسان.
وقيل في بعض كتب اللغة: إنه من العادة، لأن الله سبحانه وتعالى قد عوّد عباده عادات الإحسان.
ولا يجوز صيام يوم العيد، سواء يوم الفطر أو يوم الأضحى. وقيل: إن العيد سمّي عيدًا تفاؤلا بعودته مرة أخرى.
ويروىعن ابن عربي أنه قال: إنه سمي عيدًا، لأنه يعود كل سنة بفرح متجدد.
وصلاة العيدين سنّة مؤكّة، وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب لبس الثياب الجديدة.
والعيد كما هو معروف عند المسلمين ميدان يتسابق فيه الناس إلى الخيرات، ومنافسة إلى المكرمات.
والعيد في الإسلام شأنه عظيم، لأنه قرن كل واحد منهما بشعيرة دينية مهمة، وهما شهر رمضان، فعيد الفطر يوم الشكر على تمامه، والحج الذي كان يوم الأضحى بعض أيامه، وفيه الكثير من أحكامه.
فما أجمل هذا الربط بين العيدين، وبين هاتين الشعيرتين ... وإذا كانت مظاهر العيد الفرح والسرور والتجمل بالثياب الجديدة، والتحلي والتطيّب بأنواع العطور، والتوسعة في المباحات من أكل وشرب مما لا يصل إلى الإسراف والتفاخر المبغوض فهذه الأمور تتحول إلى عبادة وطاعة إذا عملها الإنسان بإخلاص ونية حسنة، وأراد بها الإنسان شكر الله على نعمه بأن يسّر له صيام رمضان فأكمله وشهد عيد الفطر فوسّع على أهله في النفقة وأخرج زكاة الفطر، وتصدق على الفقراء والمحتاجين، ووصل أرحامه بزيارتهم.
ففي العيد تظهر تباشير الفرح والسرور، وتكبيرات المآذن تشرح الصدور وتُشنّف الأسماع... الله أكبر، الله أكبر... ولله الحمد... الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا... وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا... لا إله إلا الله وحده... صدق وعده... ونصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده... لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون... اللهم صلّ على أسعدنا محمد... وعلى ءال محمد، وعلى أصحاب محمد... وعلى أنصار محمد وعلى أزواج محمد وعلى ذرية محمد وسلّم تسليمًا كثيرًا... ربّ اغر لي ولوالدي ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا...
ما أجملها من كلمات تعلو في أرجاء الفضاء تدعو إلى عبادة الله الواحد القهّار، والبعد عن أسباب التهلكة ودخول النار.
فهذا هو العيد في معناه الديني تعظيم الواحد القهّار، والبعد عن أسباب التهلكة ودخول النار.
وأما في معناه الشخصي والنفسي، فهو حدّ فاصل بين قيود الصوم عن المباحات في أوقات معينة وبين إباحتها من مأكل ومشرب وسواها من شهوات الجسد المباحة.
ويوم العيد يوم اجتماعي عظيم، يوم للأطفال يلعبون فيه ويفرحون، ويوم للفقراء يأتيهم باليُسر والسعة، ويوم للأرحام يجمعها البِرّ والصِلة، ويوم الأصدقاء والجيران تتجدد فيه أواصر الحب ومحاسن القُرب... فتتصافح الأيدي، وتُنسى الضغائن في القلوب العامرة والنفوس الكريمة، فتجتمع بعد افتراق وتصفو بعد طول كدر... وهكذا تعمّ الفرحة والأنس الجميع، فيتذكر الأغنياء الفقراء والعجزة والضعفاء حتى تشملهم الفرحة وتعم عليهم النعمة... فيتناولون من طيبات الرزق والطعام ما يُحرمون منه طوال العام.
فما أجمل العيد بعد الصوم، والقَبول عند الله تبارك وتعالى لهذه الفريضة هو العيد الأكبر للمؤمن في الدار الآخرة.
أهلا بعيد الفطر بعد صيام
أهلا بيومٍ مُشرقِ بسّام
عيد أهلّ على الربوع هلاله
وبدا على الأثواب والآكام
طوبى لمن صلّى وصام طهارة
طوبى لمن يسعى إلى الأيتام
العيد يدعو المسلمين ليلتقوا
بالخير بالايمان بالترحام
العيد يدعو أن نزور مقاطعًا
وعلى الخصوص زيارة الأرحام
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.